الخميس، 10 فبراير 2011

أهمية الإعلام الإسلامي


أهمية الإعلام الإسلامي


الدين الإسلامي دين إعلامي بطبيعته، لأنه يقوم على الإفصاح والبيان بعكس الأديان الأخرى، كاليهودية مثلاً، التي لا تختص برسالة، وتتذرع بالكتمان والسرية(1). ولا أدل على ذلك من قول الله عز وجل (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا واصلحوا وبينوا أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم). (البقرة/ 159-160).
وبذلك نرى أن أهمية الإعلام الإسلامي تكمن في تصحيح مفاهيم الإسلام والدعوة إلى مبادئه السمحة، وقيمه الأصلية النافعة، بطريقة علمية وعملية وفنية، لتكون هذه القيم منهاج حياة كل مسلم في بيته وعمله، ومع إخوانه وأقاربه، وفي معاملاته وعاداته وتقاليده، وعبادته. لذا ليست قاصرة على أجهزة إعلام دينية متخصصة، بل هي خطة عمل كل أجهزة الإعلام في الدول الإسلامية، وهي مضامين ومحتويات رسائلها الإعلامية مهما اختلفت أشكالها وقوالبها وتنوعت أساليبها ووسائلها، فهي مضامين صالحة لكل زمان وكل مكان، تؤدي إلى النتائج المرجوة منها والتي هي هدف الإعلام المفيد في أقرب وقت ممكن.
كما تكمن أهمية الإعلام الإسلامي في الذود عن الإسلام والدفاع عنه ورد المعتدين الذين خلت لهم الساحة، وسنحت لهم الفرصة بغيبة الإعلام الإسلامي عن ميدان الإعلام. "إن أية دعوة مهما كانت من السمو، لا يمكن أن تجتذب إليها الأنصار إلا إذا كان لها (إعلام). وقد الإعلام في العصر الحديث، مكاناً يجعله في الدرجة الأولى من الأهمية، ويعرف ذلك المسلمون ولكنهم لا يعملون به فيما يتعلق بنشر الإسلام. وإذا كان الإسلام ينتشر فإنه ينتشر بقوته الذاتية، رغم الهجوم عليه ورغم العقبات التي تعترض طريقه"(2).
فالإعلام الإسلامي يجب أن يوضح حقائق الإسلام، وقيمه التي قضى المسلمون ـ قبل غيرهم ـ على معظمها، وشوهوا صورها ببعدهم عنها، وبسلوكهم سلوكيات مضادة لها. يقول الدكتور عبد الحليم محمود، في ذلك: "إن الغربيين يستمدون فكرتهم عن الإسلام من مجرد رؤيتهم للمسلمين، فإنهم يرون المسلمين متخاذلين ضعفاء أذلاء، مستكينين، فرقت بينهم الأهواء والشهوات، وقعدت بهم الصغائر، وانصرفوا عن عظائم الأمور. وأصبحوا مستعبدين مستذلين، ولو كان الإسلام ديناً قوياً، لما كان المسلمون هكذا. والغربيون ينظرون إلى المسلمين في العصر الحاضر ناسين شيئين:
أولهما: أن المسلمين حالياً متمسكين بالإسلام وصلتهم به تقريباً صلة اسمية فقط.
ثانيهما: ينسون ماضي المسلمين العظيم، وقوتهم، أيام كانوا متمسكين بالإسلام.
ولأن المسلمين أيضاً يكتبون عن الإسلام كتابات متناقضة، تعرضه بصورة غير منسجمة، وتبين أنه دين مليء بالاختلافات، مما يجعل الأجانب يشكّون فيه ولا يفهمونه. فالإسلام في حاجة إلى عرضه عرضاً ميسراً سهلاً قوياً"(3).
وهذه هي مهمة الإعلام الإسلامي، نشر المفاهيم الدينية، والقيم الإسلامية الصحيحة بالأسلوب الفني الجذاب، حتى يظهر الإسلام على صورته الحقيقية، وحتى يؤدي الإعلام أيضا رسالته بطريقة صحيحة، لأنها مستمدة من مصدر صحيح.
وقد حاول أعداء الإسلام أن يظهروا أن الإسلام لا يصلح لأن يقدم عبر وسائل وأجهزة إعلام العصر الحديث، كما حاولوا أن يظهروا أنه ضد التطور والتقدم، وضد الوسائل والأساليب الحديثة، غير أن هذا محض افتراء ومجرد تقولات لا نصيب لها من الصحة، وقد ساعدهم على ذلك غفلة المسلمين وانبهارهم بالحضارات الزائفة البراقة، وتناسيهم لما يمتلكون من ثروات إعلامية إسلامية هائلة، مما أدى إلى غيبة الإعلام الإسلامي عن الميدان وانفراد أعداء الإسلام بساحة الإعلام يشهرون من خلالها بالإسلام ومبادئه السمحة وقيمه الأصيلة النبيلة، ويتجنون عليه وعلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقد فعل أعداء الإسلام ذلك لأنهم أدركوا أن الإسلام قوة دولية عظيمة، تزلزل كيانهم، وتهدد وجودهم، فبدأوا يشنون الحملات المضادة للإسلام، وقد حدث مثل هذا قديماً مع الكفار في مكة ومع المنافقين في المدينة. وسوف نرى أن الممارسة الصحيحة للإعلام الإسلامي كانت وراء دحر هؤلاء وإحباط مخططاتهم وكيدهم، في ذات الوقت الذي كانت فيه السبب في انتصار الإسلام والمسلمين وانتشار دعوتهم.
وقد عاد أعداء الإسلام، وجاء عليهم زمان غاب فيه الإعلام عن الساحة، واختفى فيه من الميدان، فانتهزوا الفرص، بعد أن أخذوا منه مبادئ الممارسة الصحيحة للإعلام، وبدأوا مستخدمين وسائلهم المستحدثة وأساليبهم الرخيصة المبتذلة المغرية، بدأوا يحاولون إبعاد المسلمين عن ماضيهم وعن دينهم.
يقول الأستاذ "جب" المستشرق الإنكليزي، حين يستعرض أنجع الوسائل لتغريب المسلمين تغريباً حقيقياً، يهضمون فيه الحضارة الغربية، حتى تصبح فيهم شيئاً ذاتياً، لا مجرد تقليد للغرب، يقول: "وللوصول إلى هذا التطور الأبعد، الذي تصبح الأشكال الخارجية بدونه مجرد مظاهر سطحية، يجب ألا ينحصر الأمر في الاعتماد على التعليم في المدارس، بل يجب أن يكون الاهتمام الأكبر منصرفاً إلى خلق رأي عام، والسبيل إلى ذلك هو الاعتماد على الصحافة". ثم يستطرد المستشرق الإنكليزي "جب" مقرراً "إن الصحابة هي أقوى الأدوات الأوروبية وأعظمها نفوذاً في العالم الإسلامي". كذلك يبدي ملاحظة عن النتائج الرهيبة لهذا الغزو فيقول: "إن النشاط التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والصحافة، قد ترك في المسلمين من غير وعي منهم ـ أثراً جعلهم يبدون في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد، وذلك خاصة هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي عن حضارته من آثار"(4).
وقد صدق المستشرق الإنكليزي "جب" حيث أصبح كلامه حقيقة واقعة في حياة شعوب البلدان الإسلامية. تقول الدكتورة إجلال خليفة مقررة ذلك: "تتعدد وتتباين التحديات التي تواجه الإعلام الإسلامي والمواطن المسلم، وأخطر هذه التحديات في الواقع هي في نظري التحديات الداخلية والتي تحيط بالإنسان المسلم عن قرب، وتصافح عقله ووجدانه وروحه وإحساسه صباح مساء، وأهم هذه التحديات الداخلية في العالم الإسلامي هي:
ـ التمزق الذي يسود الوطن الإسلامي والتشاحن والتناحر الذي نشاهده بين بعض قادة الدويلات الإسلامية وتوجيه أجهزة الإعلام للسب والقذف وهدم غيرهم من أبناء المجتمع الإسلامي، دون أي نشاط ضد أعداء المسلمين.
ـ انصراف أجهزة الإعلام عن مخاطبة جماهير المسلمين من واقع احتياجاتها الإعلامية فحوالي90% من المادة المذاعة والمنشورة تبعد بعداً تاماً عن عقائد الجماهير الإسلامية وتهدم ما تبنيه المادة الإعلامية القليلة المرتبطة بالقيم الإسلامية والتي لا تتعدى 4% من مجموع ما يوجه إلى الجماهير من برامج أجهزة الإعلام على اختلافها، حتى أن إعلامنا المسجدي المعاصر يعيش أجيال مضى على فنائها مئات السنين، وإنما تحتاج جماهير المساجد إلى من يعاصر قضايا العصر ومشكلات الأجيال الحالية، وتبدد الظلام الديني الذي تحيطها به أجهزة الإعلام الإلحادية والمعادية لعقيدتنا الإسلامية، والتي تعمل على تشكيك المسلم في معتقداته وفي آراء قادته وأئمته من سبق منهم ومن بقي بينهم.
ـ عزل مناهج التعليم في المدارس المختلفة عن جوهر الدين الإسلامي مع أن الدين الإسلامي يتناول الإنسان منذ كان نطفة وطفلاً وصبياً ويافعاً وشاباً ورجلاً وشيخاً وحتى حياته الأخرى فيما بعد الوفاة، يتناوله سلوكياً وروحياً وعقلياً وعقائدياً وفكرياً وتكويناً علمياً مع الإحاطة بكل ما يقع عليه، ويقع عليه بصره وأحاسيسه ويحسه ويتخيله. وبذلك يتكون التلميذ والطالب بأسلوب أقرب إلى الاضطراب النفسي والجهل بما يدور حوله، وبما يشاهده مما يجب أن يتعلمه، فالعلم الذي لا يقرب إلى الله سبحانه ليس بعلم، والأمثلة على ذلك كثيرة في الواقع الذي نعيشه.
ـ فصل تعليم الدين الإسلامي عن الحياة وأمور الدنيا والعمل على حصره على ما بعد الحياة والوجود الدنيوي، وبذلك تخرج مناهجنا التربوية والاقتصادية والسياسية والثقافية ناقصة، بل باطلة ومضطربة، وما نعمله اليوم نهدمه في الغد لفشله بحجة التعديل، وبذلك تمر الأيام ونحن نرجع إلى الوراء، إلى ما قبل بزوغ نور الإسلام لنعيش ونحن في نهاية القرن العشرين وبدء القرن الخامس عشر للهجرة النبوية الشريفة في العصور الجاهلية الأولى، بل في أسوأ من تلك العصور المظلمة.
ـ وإلى جانب ذلك كله هناك عزل المسجد عن معالجة شئون المسلمين، واقتصاره على تأدية الصلاة، ولم ينشأ المسجد لذلك فقط. وإنما أنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم المساجد للنظر فيما يعيّن للمسلمين من أمور وقضايا، تحل باجتماع أهل الرأي من المسلمين في صلاة الجماعة، ولوجود إمام يوجه شعب المسجد إلى ما يريده الله من الإنسان في وجوده من الحياة على الأرض، وكيف يكون عاملاً للإصلاح، والصلاح لنفسه، ولمن حوله من إنسان وحيوان ونبات وجماد، لأنها جميعاً يكفيها فخراً أنها من صنع الخالق جلت قدرته.
ـ سيادة الإعلام الفاسد في ربوع الوطن الإسلامي لعمله على إبراز نشاط النماذج الفاسدة من بني البشر، وإهمال الإعلام عن القدرة الحسنة للإنسان المسلم بغرض العمل على انحلال المجتمع وإشاعة الفوضى والتسيب والفساد في أركانه، وهدم قيمه الإسلامية"(5).
مما سبق يتضح لنا أهمية الإعلام الإسلامي، ويتضح لنا ما حدث للمسلمين من خسائر من جراء غيبة الإعلام الإسلامي عن الميدان، وقد انتهز أعداء الإسلام هذه الفرصة وبدأوا حربهم للإسلام وقيمه ومبادئه، وذلك خوفاً من انتشاره وسيادته مما يؤدي إلى اندحارهم واختفاء سلطانهم. لذا بدأوا حملاتهم الشعواء ضد الإسلام ورجاله ومبادئه، وساعدهم على ذلك المسلمون أنفسهم "إن أكبر خطأ يرتكبه الإعلام الإسلامي لكل من يعمل فيه من دعاة وخطباء وأئمة وصحفيين وإذاعيين وناشرين وكتاب، وعلماء ومعلمين، وفنيين وغيرهم، أن ينعزلوا بأنفسهم عن أخطار الاتصال الجماهيري، تاركين أفراد الأمة يسقطون صرعى في الهوان المتكرر، والإلحاد المدبر والتخطيط الشيطاني المدمر، إن سكوت الإعلاميين المسلمين، واعتصامهم بأبراجهم العاجية وصمتهم إزاء ما تقوم به كتائب الظلام وجند الشيطان، يعتبر تخاذلاً ونكوصاً. فلابد من التصدي، وفضح النفاق، وكشف الخداع وإظهار الزيف. فالمسلمون أمة شديدة البأس وليس صمتها على المنافقين والمشركين دليل تصديقها لأباطيلهم"(6).
ودور الإعلام الإسلامي ورجاله إنما هو دراسة الإسلام كمنهج، والإيمان به والغيرة عليه وعلى مبادئه السمحة القويمة، والتحمس لنشرها. وبذلك تمتلئ بها البرامج والمقالات والأخبار والمسلسلات والتمثيليات وكل ما يصدر عن أجهزة إعلام الدول الإسلامية، مكتوبة ومسموعة ومرئية، خاصة في هذا العصر الذي أصبحت المدنية المادية فيه يثبت فشلها في حل مشكلات البشرية يوما وراء يوم، وأصبح الاتجاه العقلاني فيه ينادي بالعودة إلى الروحانيات والالتجاء إلى الدين.
وإذا كان هناك قلة من حكماء المفكرين أصبحوا يرون الآن أنه لا إنقاذ للبشرية إلا بالعودة إلى الدين، فقد كان لزاما على إعلامنا أن يلتقط هذه الشهادات المخلصة، ويؤيدها، ويناقشها من واقع الإسلام وتاريخه، وعبره وأحداثه. وإذا كان هؤلاء الحكماء يذكرون العودة إلى الدين ولم يحددوا ديناً بالذات، فقد وجب علينا الإثبات، أن الإسلام هو الدين الوحيد الصالح للبشر، والمهيمن على ما سبقه من التشريعات، والمبرأ من كل شك لحقها زيفاً أو تزويراً، فالعالم قد أصبح حقيقة يعاني إفلاساً روحياً. والمنصفون من حكمائهم أصبحوا يدينون عقائدهم التي تهتز تحت مجهر الحقائق، ويرحبون بأي جاد يشدهم إلى حقيقة الإسلام. والزاد الذي نقدمه لهم قليل حتى يبدون كل الحفاوة حين يقعون على سطور كتاب في تاريخنا من أمثال إشراقات ابن رشد، ومدرسة الأندلس وإبتداعات العلوم والرياضة.
هم يرون أن هذه الأفكار وغيرها التي بنت عليها أوربا حضارتها إنما جاءت من أصول وينابيع الإسلام. وهذه هي مهمة إعلامنا، التركيز بإخلاص على تقديم وعرض هذه الينابيع بالأسلوب العصري، فالإسلام يواكب كل عصر بأسلوب علمه، ويحل له مشاكله بأسلوب تطوره.
هذا هو دور الإعلام الإسلامي، وهذه هي مهمته، وهي في الحقيقة مهمة كل مسلم غيور على دينه، فالإعلام الإسلامي ليس فقط واجب من يكتبون في الصحف أو يعملون في الإذاعات وأجهزة الإعلام المعروفة، وإنما واجب كل مسلم، غير أنه يجب على كل إنسان مسلم بحسب قدراته واستطاعته وما أوتي من قدرة وعلم ووسيلة. فتبليغ الإسلام والإعلام عنه واجب على المسلم في بيته وعمله ومع أصدقائه، وواجب على أئمة المساجد بالأسلوب المفضل واللهجة المستحبة، لا بلهجة الجفاف والغلظة: فقد أمر عز وجل بحسن عرض القول. قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) وقال تعالى: (قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) وقال تعالى موحها الأمر للجميع: (وقولوا للناس حسنا).
كما أن الإعلام الإسلامي أيضاً واجب على كل العاملين في أجهزة الإعلام الخاصة بالاتصال الجماهيري والمنطلقة من الدول الإسلامية جميعها لتعبر عن روح الإسلام في الخبر الصادق والإعلان المفيد والتمثيلية الهادفة ذات المستوى الراقي والمضمون المفيد، والبعيدة عن الإسفاف والخلاعة والترخص والابتذال.
والإعلام الإسلامي له وظائف وأهداف يرمي إليها لتكوين المفاهيم الصحيحة لدى جماهير المستقبلين له في كل مكان من أنحاء العالم، ولغرس القيم والمبادئ الصحيحة السليمة التي تفيد الناس في دنياهم، حيث تنظم شؤونهم وأحوالهم المعيشية وتنظم علاقة البشر ببعضهم البعض، كما تنظم أيضاً علاقة البشر بخالقهم سبحانه وتعالى وترشدهم إلى الغذاء الروحي المتمثل في العبادات والتي تؤدي إلى الاستقرار النفسي في الدنيا وإلى السعادة الأبدية الخالدة في الحياة الآخرة.
وحينما نتحدث عن الإعلام الإسلامي ودوره وأهميته في نشر الإسلام ومبادئه فنحن لا ننكر قيمة الأديان الأخرى وأهميتها، غير أن لكل شريعة من الشرائع ولكل دين من الأديان توقيت محدود وأنه يصلح لها هذا الدين وتلك الشريعة وتصلح هي بدورها له. وهذه الأمة التي تعيش هذا العصر وإلى أن تقوم القيامة لا ينصلح حالها إلا بالدين الإسلامي الذي ارتضاه الله عز وجل لها وارتضاها له، قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
ومن هنا تظهر بجلاء أهمية الإعلام الإسلامي في الإعلام عن هذا الدين والإقناع له، لتعم السعادة البشرية جميعها ولتنقشع غشاوات الظلام وليبدد نور الإسلام ظلمات المادية والإلحادية ومذاهبها المقنعة تحت مسميات كثيرة براقة وزائفة، حسبنا أنها تثبت فشلها يوما وراء يوم. وهذه هي مهمة الإعلام الإسلامي ودور رجاله في إنقاذ البشر جميعاً وإسعادهم بالإسلام ونوره قولاً وعملاً.
---------------------

السياسيون متى يخشون الإعلام ولماذا؟!

السياسيون متى يخشون الإعلام ولماذا؟!



لم يكن أمراً إعتباطياً أن ينال الإعلام تسمية (السلطة الرابعة)، وليس هناك مَن هو صاحب فضل عليه فأغدق عليه هذه الصفة من دون أن يستحقها، بل يتفق جميع المعنيين بأنّ الإعلام بمواصفاته الحقيقية، كالجرأة والصدق والنزاهة والدقة والمخاطرة وما شابه، قد نال سلطته الرابعة بقدراته المتميزة ودوره الكبير في الرصد والتأثير والتصحيح للمسارات الخاطئة سواء في مجال السياسة وصنع القرارات الهامة أو في المجالات الحياتية الأخرى المتشعبة.
وحين نقول أن الإعلام سلطة مستقلة بذاتها فإننا لا نقصد التعالي البيروقراطي الذي قد يصيب بعض المؤسسات الإعلامية غير المحصنة ضدّ الغرور وضدّ النفعية البراغماتية التي توجه مساراتها، ولا نقصد أيضاً تلك المؤسسات الإعلامية التي تضع نفسها في خدمة الحاكم أو السلطة التنفيذية في هذه الدولة أو تلك فتصبح أداة طيعة تخدم أهداف السلطة الحاكمة أكثر مما تخدم مهنتها.
بل ما نعنيه هو الإعلام الذي يستحق فعلاً صفة (السلطة الرابعة) التي قد تضاهي السلطات الأخرى، بل تتفوق عليها أحياناً لاسيما في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية الراسخة، حيث يتحكم الإعلام بالرأي العام الذي يتحكم بدوره بجميع السلطات بما فيها السلطتين التنفيذية والتشريعية وغيرهما.
من هذه النقطة بالذات يُطرح التساؤل التالي: متى يخشى السياسيون من الإعلام وما سبب هذه الخشية التي غالباً ما تربك العلاقة بين الطرفين وتُسهم في الاشكالية التي تعتور علاقة السياسي بالاعلامي.
وللاجابة عن هذا التساؤل ينبغي أن نتذكر ونعترف بأن مقومات التعامل بين الساسة والمؤسسات الإعلامية أقرب للاكتمال من غيرها في ظل أنظمة الحكم الديمقراطية المستقرة، على عكس الأنظمة الشمولية أو تلك التي لا تزال تحبو كالوليد الصغير على جادة التحرر والبناء الديمقراطي، حيث تأخذ هذه العلاقة خطاً بيانياً متذبذباً بين النجاح والفشل.
ولكن لعلنا لا نأتي بجديد حين نقول بأن (السياسي النزيه) والذي يؤدي عمله بكفاءة عالية سيكون في موقع المتمكن الذي لا يخشى الإعلام أو غيره، فهو محصن ضد الاختلاس وله نفس قنوعة متعففة ويحمل من الإيمان ما يجعله بعيداً عن الدناءة التي تهبط به الى التجاوز على المال العام، هذا من ناحية.
وهو من ناحية أخرى متسلح بأداء عملي ناجح ومتوازن، فلا غبن ولا ظلم ولا رشوة ولا محسوبية ولا تفضيل لأحد دون غيره إلاّ بما يستحق من المباركة والتحفيز، ويكون الضمير والكفاءة العملية هما الركيزتين اللتين يستند إليها السياسي النقي في جميع أنشطته المتعلقة بطبيعة أعماله ومهامه.
من هنا لن يخشى مثل هذا السياسي لا الإعلام ولا غيره، على خلاف (السياسي الفاسد) الذي يصبح الإعلام المهني النزيه عدوّاً لدوداً له، فهو إمّا أن يمارس عملية التهرب والاعتذار من مواجهة الصوت الاعلامي الذي سيكشف تورطاته الى الملأ، وإمّا أن يستخدم نفوذه فيعتدي على الاعلاميين ويضيق الخناق عليهم وقد يصل الأمر الى التهديد بل التصفية أحياناً، غير انه في كلا الحالتين لن يتخلص من سلطة الإعلام، بل ستزداد عليه الأضواء ويصبح مكمن إثارة دائمة لقنوات الاعلام المتنوعة التي تلتزم المهنية والنزاهة والصدق في عملها، فتكشفه وتعريه للآخرين وهذا هو سر الخشية التي يعاني منها السياسيون الفاسدون وهو أيضاً سر العدواة التي يكنونها للاعلام المهني الحر.
وهكذا أصبح بمقدورنا معرفة سبب تخوّف الساسة من الإعلام (ليس كل أنواع الاعلام بطبيعة الحال)، إذ هنالك الاعلام المحابي الذي يستلم ثمن أتعابه مقدماً من الجهة المستفيدة، ولعل (المودة) التي كانت ولا زالت منتعشة والمتمثلة بتأكيد الساسة الدائم على عرض الجانب المشرق من أنشطتهم تشكل مثلبة على الاعلام المهني الحر وتنتقص من نزاهته وتسلب منه (سلطته الرابعة) التي تضاهي السلطات الأخرى وتفوقها أحياناً.
ومن أجل تجاوز الإشكالية العلاقاتية بين الساسة والاعلام، نطرح ما نراه مساعداً على تنقية الأجواء العملية بين الطرفين وكما يلي:
- أن تتسلح مؤسسات الاعلام بالمهنية والنزاهة العالية التي تساعدها على أداء دورها بالصورة المطلوبة.
- أن تسهم الحكومة في دعم الإعلام من حيث الاستقلالية والكف عن تجيير الصوت الاعلامي لصالحها.
- أن تُشرّع القوانين المطلوبة من الجهات التشريعية لضمان حيادية ومهنية ونزاهة عمل الاعلام بأنواعه كافة.
- أن تراقب مؤسسات الاعلام عناصرها من ذوي القصور في ممارسة العمل الاعلامي وحرمته ونزاهته وأن تعاقب من يستحق بالطرد الفوري.
- أن يعمل الطرفان السياسي التنفيذي والاعلام على تنقية أجواء العمل من خلال النزاهة والمهنية لكلا الطرفين.
- أن يبقى الاعلام (في حال مهنيته ونزاهته) رقيباً مستمراً وضوءً كاشفاً للساسة الفاسدين من أجل فضحهم أمام الملأ بالأدلة والقرائن.
وبهذا نكون قد حققنا منظومة علاقاتية ناجحة ومستقرة بين سلطة الاعلام من جهة وبين نظام ديمقرطي مؤسساتي يقوم على مبدأ فصل السلطات من جهة ثانية.

أسلوب المواجهة الإعلاميّة في القرآن


أسلوب المواجهة الإعلاميّة في القرآن

اهتمّ القرآن الكريم بالدعوة والإعلام والمواجهة الإعلامية اهتماماً بالغاً، للتعريف بالمواقف وإيصال المعلومات الصادقة، وتحصين الرأي العام وحمايته من التخريب والحرب النفسيّة، وتوجيهه الوجهة السليمة.
وعندما نستقرئ آيات القرآن التي تحدّثت عن المواجهة الإعلامية، وأسلوب التعامل مع الدعاية المضادّة، نجد القرآن قد ركّز على أساليب أساسية عديدة، منطلقاً من اُسس نفسيّة وموضوعية بالغة الأهمية، لتكوين الدوافع وكسب الإستجابة والموقف، وأهم هذه الاُسس هي:
1- التركيز على كشف الزيف وتعرية الإشاعة والدعاية المضادّة وبيان الكذب والتناقض فيها، لإسقاط فاعليتها وتوجيه ردّ الفعل ضد مروّجيها. والمتتبع لآيات القرآن يجد ذلك واضحاً في العديد من آياته، خصوصاً في آيات الحوار، والرّد على الادعاءات والدفاع عن دعوة الرسول (ص) وشخصيته.
من أمثال ذلك قوله تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ) (التوبة/ 64).
(قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُم إِن كُنْتُمْ صادِقِينَ) (البقرة/ 111).
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إِلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (آل عمران/ 65-66).
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (هود/ 13-14).
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمّد/ 29-30).
وهكذا يدعو القرآن إلى استخدام الإعلام القائم على أساس محاكمة الخصم وتحدّيه وكشف تناقضه وتآمره وكذبه وتضليله، ممّا يعرِّيه أمام الرأي العام، ويشكل الجواجز بينه وبين المساحة البشرية التي يسعى للتأثير عليها، فيفقد ثقتها وتجاوبها معه.
2- الإسقاط: لقد استعمل القرآن أسلوباً إعلامياً آخر ذا فاعلية نفسيّة لهز الخصم من داخله، وإشعاره بتفاهة شخصيته ومواقفه، ليكوّن الهزيمة في أعماقه النفسية، ويسلب منه الروح المعنوية والقدرة على المواجهة بتوجيه الخطاب إليه كطرف هزيل يوضع موضع الاستهزاء والسخرية، نلاحظ ذلك واضحاً في خطابه للمكذّبين، ولأعداء الدعوة عندما يقول لهم:
(قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) (الفرقان/ 77).
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (البقرة/ 17-18).
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف/ 179).
3- الإهمال: ومن وسائل الحرب النفسية والمواجهة الإعلامية التي استخدمها القرآن، هو أسلوب بالإهمال وعدم الإعتناء بالخصم، وليشعر بعدم قدرته على إثارة الطرف الإسلامي، وضعف موقعه وضآلة قدره كجزء من الحرب النفسيّة، والإسقاط الإجتماعي التي يشنها الإعلام الإسلامي ضدّه، عندما يكون الإهمال، وعدم الدخول في حرب كلامية هو الأسلوب الأفضل للموقف والقضية، ويتجسّد هذا المبدأ في العديد من الآيات كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون/ 3).
(وَإِذا خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (الفرقان/ 63).
(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) (القصص/ 55).
(وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الزخرف/ 88-89).
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام/ 108).
4- الإستمالة والتأثير بالحسنى: ويستخدم القرآن أسلوباً نفسياً ووجدانياً مؤثراً في الطرف المتلقّي، بتوجيه الخطاب اللين، والكلمة الجذابة، والإستهواء المؤثر إليه.
ومن الآيات التي حثّت على استخدام هذا الأسلوب في المواجهة الاعلامية، قوله تعالى: (... ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34).
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...) (النحل/ 125).
ليشعر المتلقّي باحترام الإعلام الموجّه إلى شخصيته، وحسن نيّة الجهة التي تخاطبه، وحرصها على حفظ مصالحه وكرامته، لتكوين علاقة حسنة بينه وبين الطرف الذي يوجّه إليه الخطاب الإعلامي فيكسب ودّه وثقته، ويتقبل أفكاره وخطابه.
5- الموضوعية والإقناع المنطقي: وكما يخاطب الإعلام الجانب النفسي والعاطفي عند الإنسان، ويستعمله كمدخل لشخصية المتلقي للخطاب الإعلامي، وللتأثير على مساحات واسعة من الرأي العام، فإنّه يستخدم الإقناع المنطقي، والأسلوب العقلي، والموضوعية العلمية، بدعوة الطرف الآخر إلى الحوار، ويشعره بثقة الجانب الإسلامي بنفسه، وانطلاقه من موقع القوّة، وليوفّر له الإقناع العقلي، لإيمان الفكر الإسلامي بأنّ العقل هو الأساس المتين لبناء السلوك الإنساني، وإنّ الأفكار والقناعات التي تبنى على أساس القناعة العقلية، هي أكثر ثباتاً، وتأثيراً في سلوك الإنسان.
والفكر الإسلامي مبني بصورة أساسية على الإقناع المنطقي والعقلانية الموضوعية، نجد ذلك واضحاً في النص القرآني بشكل ملفت للنظر، كما نراه في حواره مع الدعاية المضادّة التي ركّزت على مهاجمة شخص الرسول ودعوته، إنّه يدعوهم إلى فهم الحقيقة الموضوعية، والعودة إلى الوعي، واستعمال العقل.
قال تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الأعراف/ 184).
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران/ 64).
(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (سبأ/ 46).
وهكذا، وفي العديد من آياته يوجه القرآن دعوته وإعلامه إلى الطرف الآخر؛ ليفتح الطريق أمام العقل، وليشعر الخصم وأتباعه بقوّة الطرف الإسلامي، وثقته بنفسه، وتفوّقه عليه، لتشكيكه في قناعاته ووضعه في موضع الضعف المتهم.
6- تحطيم الرموز المعادية: تشكل القيادة والرموز المعادية الهدف الأوّل للإعلام والحرب النفسيّة المضادّة، ذلك لأنّ الرمز والقيادة، هي القوة المركزية، والموجّه الحركي للجماعة والأمة، وكلّما كان للجماعة والأمّة ثقة برموزها، وتقديس لقيادتها، وارتباط وثيق بها، صعب اختراق الإعلام المعادي لتحصيناتها الفكرية والدعائية، لذا فإنّ مثل هذا الموقف يتطلّب من الخطاب الإعلامي المضاد تحطيم الرمز المعادي، وعزل تأثيره، وتدمير الثقة به، ويستخدم القرآن هذا الأسلوب لتعرية المنحرفين، وكشف زيفهم وجنايتهم على الإنسانية، وعلى أتباعهم لفك الارتباط، وتحطيم التأثير النفسي على الرأي العام. لذلك نرى حملته الإعلامية تتصدّى لفرعون والنمرود وأبي لهب وللطواغيت والكبراء والمنحرفين والمستكبرين في الأرض والملأ المتعاونين معهم، ويصوّر النتيجة المأساوية لاتّباعهم والسير معهم، ويتبنّى الدفاع عن المستضعفين في الأرض، ليفصل بين القيادة المتسلّطة وبين الرأي العام تمهيداً لعملية التلقّي وقبول الخطاب الآخر الذي يوجه الأنبياء، ودعاة الإسلام، والمصلحون في الأرض.
قال تعالى: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) (الأحزاب/ 67-68).
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (سبأ/ 31-33).
(إذْهَبْ إلى فِرعَونَ إِنَّهُ طَغى) (طه/ 24).
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص/ 4).
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) (إبراهيم/ 28).
(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ) (الهمزة/ 1-5).
(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (اللّهب/ 1-4).
(عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (القلم/ 13-16).
وهكذا يكشف القرآن حملته الإعلامية على رموز الجريمة والعدوان لهدم شخصياتهم وللاجهاز على دورهم القيادي، وتحطيم الثقة بينهم وبين الاتباع.
وهكذا أيضاً يثبّت القرآن أُسساً لتوجيه الإعلام، وصد الحرب النفسيّة، وإدارتها بمهارة وفاعلية، مستخدماً شتّى الوسائل والأساليب، مقدّراً للظروف والبيئة والأوضاع النفسيّة والإجتماعية والموضوعية التي يكون فيها الطرف المتلقّي للإعلام الإسلامي يحمل روح المكابرة والتضليل لأتباعه ليسجّل نجاحاً وتفوّقاً على الخصم والدعاية المضادّة.

الدستور وحرِّية الإعلام



الدستور وحرِّية الإعلام


تثير فكرة وضرورة الدستور جدلاً فلسفياً وقانونياً يتصل بالبحث عن عمق الفكرة في

 التاريخ الإنساني وفي سياق الدلالات والتحوّلات التي اكتسبتها عبر العصور، ورغم أنّ

معنى الدستور يرتبط بكل حقبة تاريخية ويعبّر عنها كما أشار الفقيه اليوناني "صولون"

الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد، حين سئل عن أفضل الدساتير، فأجاب: قل لي

لأي شعب سيُعطى، وفي أي زمن.
وفي العهد اليوناني كانت مساهمات أرسطو (384-322 ق.م.) تتجه تماماً نحو الفكرة

الحديثة عن معنى الدستور والتي شهدتها أوروبا في القرن الثامن عشر بعد عصر

التنوير وولادة الدولة القومية، إذ إنّ فكرة الدستور كانت وما زالت شديدة الارتباط بتجديد

فلسفة نظام الدولة ونوعية السلطات وطبيعة العلاقات بينها، وكذلك بموضوعية حقوق

الأفراد (المواطنين) وحدود حرِّياتهم وطبيعة علاقتهم بالسلطة وفيما بينهم.
ومع المقولة التي تفيد بأنّ حقوق الأفراد سابقة على وجود الدولة، وبالتالي على القوانين

التي تنظم العلاقات بين السلطة والأفراد، فإنّ الحقوق الفردية، ومنها الحق في الحرِّية،

يعدّ حقاً طبيعياً يكتسبه الفرد عند الولادة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم

أحرارا)، وأنّ الشرعية تتحقّق من خلال ثنائية السيادة والحرِّية، وعبر هذه الثنائية

تكتسب الدساتير امتياز النزوع نحو المحافظة على الحرِّيات العامّة، والحرِّية الفردية

بشكل خاص، وصيانة تلك الحرِّيات من كل نقض أو تجاوز، مع ضمان الربط بين الحرِّية

والمسؤولية، ذلك الضمان الذي يؤسّس على الاعتراف بحق الفرد في العيش حرّاً، مقابل

الالتزام بالواجب الذي يؤدِّي إلى احترام حرِّية الآخرين والمجتمع والامتثال للقانون، لذلك

ليس غريباً أن ينص إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 على أنّ الحرِّية هي

(إباحة كل عمل لا يضر أحداً).

وعملياً، فإن منظومة الدستور تؤطر اليوم في شكل الدولة وفي إطار مجموعة من

القواعد المكتوبة التي شهدت تطوّراً متواصلاً منذ نشوء الدولة القومية الحديثة في

أوروبا، وتطوّر حاجتها إلى بناء مجموعة من القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم

وطبيعة العلاقة بين السلطات واختصاصاتها، وفي إطار ذلك تنظم وتحديد العلاقات بين

السلطة والأفراد، وتؤطر حقوق الأفراد وحرِّياتهم وحماية تلك الحرِّيات، ولذلك فإنّ

الدساتير تعدل أو تنشأ دساتير جديدة استجابة للوعي البشري ولتطوّر العلاقات السياسية

الإقتصادية ولتأكيد حدود العلاقة بين السلطات داخل الدولة، وبين الأفراد، وكذلك لضمان

حرِّية الأفراد وحقهم في المشاركة والرأي.
ويبقى الجدل محتدماً بين مَنْ يقول بحق الدولة في السيادة، واعتبارها السلطة العليا

المحتكرة التي تعلو على إرادة الأفراد، وبين مبدأ أنّ حرِّية الإنسان سابقة على وجود

التنظيم الإجتماعي وعلى وجود الدولة. وعملياً، فإن مفهوم الرقابة الوقائية جاء معبّراً

عن الحلول الوسطى للنزاع المفترض بين سيادة الدولة وسيادة الشعب في إطار مبررات

الدفاع عن النظام العام والقيم السائدة. ومع ذلك فقد كانت الرقابة (أداة سياسية قوية

مكنت من طمس التطوّر المسالم للرأي العام ومن إضعاف وخنق الفضائح)، تلك الرقابة

التي تنطلق تحت سقف الدستور ومضمونه في المحافظة على أمن المجتمع وحرمة

المقدسات، وحرِّية الأفراد، إلا أنّ ذلك التنازع استمر قائماً وعادت الدساتير تدمج بين

المقدمات النظرية العامّة والمواد الإجرائية المحددة، وتفاوتت صلاحية "سلطة الدستور"

بين صيانة الحق العام والدفاع عن الحرِّيات الأساسية، ولذا فقد جاءت القوانين الضابطة

لحرِّية الرأي والتعبير، وفي إطار حق إنشاء المؤسّسات الإعلامية وممارسة عملها،

منسجمة ومتوافقة مع جوهر الدستور في الإطار العام، مع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ الحياة

السياسية وبضمنها الحياة الدستورية بدأت بالتفاعل والتأثر بظاهرة "الجماعة الضاغطة"

و"تطوّر الرأي العام" و"تعزيز الشفافية"، وانعكس ذلك بالمزيد من المرونة في صياغة

الدساتير من أجل استيعاب تلك التأثيرات والتعامل معها.

- أوّلاً: حرِّية الإعلام في الدساتير العربية

يتفاوت وجود نصوص تحديد حرِّية الرأي والتعبير في الوطن العربي في مضمون

الدساتير العربية والقرارات المنفردة التي تعاملت مع موضوعات مثل الترخيص بإصدار

الصحف أو فرض قيود الرقابة، أو المتعلقة بتأسيس المحطات الإذاعية أو التلفزيونية،

كذلك العقوبات المفروضة على جرائم النشر وغيرها، وهو تفاوت يخضع لاعتبارات

عديدة في مقدمتها الموقف من الحرِّيات العامّة وإطار التعامل معها.
وعملياً، فقد ورثت الأنظمة السياسية في الوطن العربي من الحقبة الاستعمارية في القرن

الماضي طبيعة الموقف من موضوعة حرية الرأي والتعبير، ويبدو ذلك واضحاً في التباين

بين القوانين المتعلقة بهذا الموضوع، وبعضها سابق حتى على صدور الدساتير، وبين

مضمون الدساتير ذاتها، فالقوانين السابقة كانت تنحصر في إجراءات محددة تتعلّق بحق

امتلاك الوسيلة الإعلامية والتصرُّف بمضمونها. أمّا الدساتير فإنّها وضعت الإطار الفكري

والقانوني الذي يحدِّد مسار الحرِّية الفردية في إطار الحرِّيات العامّة. ففي المشرق

العربي، كانت قوانين السلطة العثمانية تحصر موضوعة إصدار مطبوعة صحافية

وطريقة الحصول على (الرخصة) في المرجع المختص، ويتفاوت الأمر بين (التصريح)

كما في لبنان والأردن، وبين طلب (الرخصة) كما في مصر، ذلك أنّ إصدار مطبوعة

صحافية يتطلّب الحصول على رخصة من المرجع المختص الذي ينبغي أن يكون على

علم ومعرفة بهوية طالب الترخيص كاملة، وقد اتضح ذلك جلياً في العهدين العثماني ثمّ

الانتداب، وفي مصر في عهد الخديوي توفيق (1881) إذ لم تحدِّد عملياً أي قيود أو

شروط خاصة (مالية أو علمية) في طالب الترخيص، وفعلياً حين تخلت السلطة العثمانية

عن الشروط الخاصة، فإنّها فرضت واقعاً آخر يقود إلى امتلاك حق (فحص) الميول

السياسية واعتبارها شرط (الولاء) لمنح الترخيص أو حجبه.
وتستند تأثيرات القوانين العثمانية في الوطن العربي وقوانين حكومات الاستعمار

والانتداب لاحقاً على صياغة القوانين الضابطة لحرِّية الرأي والمعتقد والحق في التعبير،

بالإضافة إلى صيغة وحدود المشاركة بالسلطة السياسية، مع وجود تأثير واضح للأفكار

الأساسية التي حملتها الثورة الفرنسية (كل إنسان يستطيع أن يطبع بحرِّية، 14 آب/

أغسطس 1789)، والمواثيق الدولية التي صدرت لاحقاً وأبرزها الإعلان العالمي لحقوق

الإنسان الصادر عام 1948، والذي جاء في مادته الأولى (يولد جميع الناس متساوين في

الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح

الإخفاء) تلك المادة التي كانت فاتحة لثلاثين مادة لاحقة تحيط بمعنى الحقوق الأساسية

للإنسان، ومن أبرزها ما يتصل بحرِّية الرأي والتعبير (المادة 19) والتي تنص (لكل

شخص الحق في حرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرِّية اعتناق الآراء دون أي

تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود
الجغرافية).
وقد جاء تأثير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المواثيق العربية واضحاً ومباشراً، فقد

نصّ الميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة الثانية والثلاثين.. (يضمن هذا الميثاق

الحق في الإعلام وحرِّية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها

ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، ودونما اعتبار للحدود الجغرافية) ومع تماثل المعاني

والمفردات بين الإعلان العالمي والميثاق العربي، إلا أنّ الأخير أضاف إلى المادة ذاتها

فقرة يمكن أن تفسر أنّها تمثل إطاراً شاملاً محدّداً ومؤطراً لأسلوب ودلالة التمتع بحق

حرِّية الرأي والتعبير، حين أشار إلى أن تلك الحقوق تمارس (في إطار المقومات

الأساسية للمجتمع، ولا تخضع إلا للقيود التي تفرضها بإحترام حقوق الآخرين أو

سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو المصلحة العامة أو الآداب العامّة).

وهنا يكمن (الشيطان في التفاصيل) فقد مهّد ذلك النص ما يمكن أن يعدّ تحفظاً على حقّ

الحرِّية وحرِّية التعبير، وذلك أنّه أعطى السلطة، حتى ولو لم ينص على ذلك الحق في

تقرير معنى (المقومات الأساسية للمجتمع) كذلك القيود التي يفرضها بإحترام حقوق

الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام... إلخ، من دون أن يشير إلى

الجهة التي تحدّد معايير تلك المفاهيم وتملك الحق والأهلية لحمايتها والدفاع عنها،

وعملياً فقد انتهى الأمر إلى أنّ الحكومات هي التي تقرّر حدود تلك الحرمات، فهي

المدعي العام والقاضي ومحامي الدفاع، وقد تجلى ذلك عندما أصدر وزراء الإعلام

العرب وثيقة مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي والإذاعي والتلفزيوني في المنطقة

العربية التي حدد البند الأوّل منها المبادئ الأساسية للوثيقة.. (تهدف هذه الوثيقة إلى

تنظيم البث وإعادته واستقباله في المنطقة العربية وكفالة احترام الحق في التعبير عن

الرأي وانتشار الثقافة وتفعيل الحوار الثقافي من خلال البث الثقافي).

- ثانياً: الاستيلاء على الإعلام:

لا شك أنّ هناك حزمة من الشرور يمكن أن ترافق الاستخدام السيِّئ لحرِّية الإعلام، ولكن

العهود والمواثيق ليست هي وحدها المسؤولة عن بناء خطّ الدفاع عن تلك المخاطر، كما

إنّ القوانين وحدها لا تكفي لأن تردع المجرم عن ارتكاب فعلته، ولكن التوافق والالتزام

نحو الحرَّية، باعتبارها ضرورة، وحدها التي تمنح القائمين على فعالية الإعلام القدرة من

أجل صياغة الحرِّية بمعناها الأخلاقي والمادي، ومن هنا فإنّ إدراك معنى وجود كمية

(الحرِّية) وحرِّية التعبير بشكل خاص في ثنايا القوانين يعطي الجواب على أهمية انتهاج

سلوك إنساني متوازن بين خطين: الالتزام بالحرِّية والتعبير على الحرِّية ذاتها، وبذلك

تتطابق معطيات حرِّية التعبير مع بداهة الواقع، وتتماثل مع الأعراف والمواثيق الضامنة

لها، ومن دون ذلك لا يمكن أن نفهم لماذا تحرص الدساتير في كلّ العالم، والمواثيق

المتعلِّقة بحقوق الإنسان وحرِّية الإعلام على استدراج أساليب حماية الأداء والدفاع عن

حقّ الوصول إلى المعلومة والتأكيد على أنّ تأمين وممارسة حرِّية الرأي والفكر والتعبير

والحق في الإتِّصال والحصول على المعلومات الصحيحة ونشرها وتداولها باعتبارها

حقوقاً أصيلة وثابتة ومعترفاً بها وغير قابلة للمساومة أو الإنقاص، ومن ذلك التصدي

لمفهوم الرقابة السابقة أو اللاحقة وكل أنواعها المعلنة أو المستترة.

ولذا يمكن أن نعدّ مفهوم حرِّية التعبير سابقاً حتى على القوانين والأعراف التي توصلت لها البشرية عبر أحكام العقل والفكر والحاجة لبناء نظام إنساني متكامل الشروط في التكوين والأداء، وهو تماماً ما يعبر عنه بالحقوق الطبيعية غير القابلة للنقض، والتي تجسدت لاحقاً في مفاهيم عدة لعل أبرزها نظرية العقد الإجتماعي المدعمة بشرعية الحرِّية في حدود التطابق أو التعارض بين سلطة الدولة وسلطة الفرد وتحت مظلة وحماية القانون.
ويظهر جلياً أنّ التعارض بين الحرِّية والقيد الإجتماعي على الحرِّية يشكل معضلة يصعب الإحاطة بها، إذ في الوقت الذي تحرص فيه القوانين والأنظمة المختصة بقضايا الحرِّيات الأساسية ومنها حرِّية التعبير، وبضمن ذلك تفاصيل تنظيم وسائل الإعلام وطبيعة ممارستها لعملها، فإنّها تحرص على تحديد الغاية من الحرِّية، وحرِّية التعبير، واعتبارها من المقدس الذي يجب الامتثال لقيمه وضوابطه، إلا أنّ التقييد القانوني لتلك الحرِّية يخرج في الغالب عن دائرة تنظيم تلك الحرِّية، رغم كلّ الإدّعاء بأنّ تلك القيود، هي ضوابط أخلاقية وقيمية اتفق عليها المجتمع لضمان عدم الاستخدام السلبي للقيمة الأساسية لحرِّية التعبير لأغراض حماية المجتمع والأفراد.
وعملياً لا تقف المعادلة عند حدود نقطة التوازن المفترضة، فقد عاد الأمر خارج السيطرة، وأضحت القوانين المنظمة لممارسة حرِّية الرأي قيداً ثقيلاً على تلك الحرِّية، ولما كانت كل القوانين مؤسّسة على مبدأ الجزاء والعقوبة، وعلى تشديد الجزاء والعقوبة مع الاستمرار في المخالفة والتعارض، فإنّ الأثر الذي تركته القوانين المنظمة لحرِّية الإعلام والتعبير يوحي بالميل لصالح العقوبة أكثر من الميل إلى تعزيز وحماية الحرِّية. لذلك فإنّ مواثيق الشرف، وهي غالباً ما تتصل بحرِّية الكلمة والتعبير والحقوق المرافقة لذلك، تذهب إلى تأكيد تلك الحرِّية وتعزيزها ونفي الحق المقابل، مهما كان مصدره ودوافعه في تقييد تلك الحرِّية وتحجيم أثرها، ولذلك أيضاً مُدّت مسؤولية حرِّية الإعلام إلى مسؤولية ممارسة (الرقابة الشعبية) على مؤسّسات المجتمع، وهي صلاحية توازي ما يملكه القانون أساساً، وأضحت الصحافة (مثلاً) وفق تلك المواثيق (وسيلة للرقابة الشعبية من خلال التعبير عن الرأي والنقد ونشر الأخبار والمعلومات في إطار من الدستور والقانون مع احترام المقومات الأساسية للجميع وحقوق وحرِّيات الآخرين).
ومن أجل أن لا تقوّض تلك الحرِّية سلطة القانون والدستور، استدرك مشروع توحيد قوانين الصحافة بالإشارة في المادة (14) بأنّ (يلتزم الصحافي في ما ينشره، باحترام الدستور والقانون مراعياً في كل أعماله مقتضيات الشرف والأمانة والصدق وآداب مهنة الصحافة وتقاليدها، بما يحفظ للمجتمع مثله وقيمة وبما لا ينتهك حقاً من حقوق المواطنين أو يمس إحدى حرِّياته).
- ثالثاً: على مسافة واحدة:
ليس جديداً الإشارة إلى أنّ كلّ الدساتير تبدأ بالصياغات اللفظية الرصينة المعبرة عن منظومة القيم الحامية والراعية لمقومات بناء الأوطان وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث التي تمثل المقومات الأساسية للسلطة في علاقتها مع الشعب، وحفلت الدساتير التي تم صياغتها مطلع القرن الماضي للدول الوطنية التي أسست أو نالت استقلالها، بالمقولات الرصينة عن حرِّية الرأي والتعبير، وتتطابق في أغلبها مع ما جاء في مواثيق حقوق الإنسان والتشريعات الأُممية الضامنة لحق المعرفة والتعليم وإبداء الرأي... إلخ.
وعلى مسافة واحدة تبدأ تفاصيل التعبير عن تلك الحرِّية ومدى ممارستها والضوابط العامّة والتفصيلية التي تشكّل حدود المسموح به، والإجراءات التي (يحق) للسلطة ممارستها لحماية سيادة الوطن وحرِّية المواطن، تذهب أغلب الدساتير العربية في إطار تنظيم الحرِّيات العامّة وحرِّية الرأي والتعبير وضمانات حقوق الإنسان إلى إحالة موضوع تلك الحرِّيات إلى القوانين الوضعية والتشريعات النافذة، وفي إطار فتح الباب أمام الإجتهاد والتوسع في الغالب لمنح القضاء سلطة إصدار التشريعات التي تمكّن (الحكومة) من ممارسة صلاحيات استثنائية لمواجهة تداعيات الاستخدام (غير المنضبط) لمعطى الحرِّية، وبشكل خاص حرِّية الرأي والتعبير، وقد أشار تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الوطن العربي في وقت مبكر إلى خطورة هذه الحالة في سياق رصد الانتهاكات التي يشهدها الوطن العربي لمنظومة حرِّيات المواطن الأساسية.. ورغم الاختلاف النسبي بين الدول العربية إلا أن معظمها يضع قيوداً تحكم وتحدِّد حرِّيات الرأي والتعبير. فوسائل الإعلام تملكها الدول في الغالب، وهي مراقبة بدقة من جانبها، وهناك حرمات أساسية ينبغي عدم المساس بها من بينها نقد النظام السياسي أو المساس بشخص رئيس الدولة، كما إنّ هناك قيوداً على حرِّية تبادل المعلومات والأخبار، وأحياناً تراقَب الكتب والصحف والمطبوعات الواردة من الخارج، ويُمنع نشر بعضها وتداولها.
ويسجل تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي أصدره برنامج الأُمم المتحدة الإنمائي طبيعة تعامل الدساتير العربية مع موضوعة حرِّية التعبير (.. ومن قبيل الانتهاكات التشريعية لحقوق الإنسان في البلدان العربية القوانين التي تقيد حرِّية الصحافة أو تصادرها بدعوى التنظيم. تحقيق ذلك عن طريق نصّ التشريع على جواز الرقابة المسبقة أو اللاحقة على الصحف، أو تلك النصوص التي تفرض القيود على حقّ الإصدار بحيث تجعل من الترخيص بإصدار الصحيفة وسحب هذا الترخيص سلاحاً بيد السلطة التنفيذية لردع الصحف التي تصر على تجاوز الخطوط الحمراء لحرِّية التعبير التي يفرضها النظام السياسي في الدولة.. وعموماً يمكن القول إنّه لا يوجد نظام عربي واحد يأخذ بالنظام الليبرالي في إصدار الصحف، بل اشتراك التشريع في خمس عشرة دولة عربية، منها الترخيص أو التصريح السابق).
وتتسع الدساتير العربية في مضامينها لمعطيات واعتبارات الأمن والمصلحة العامّة، ولذلك نجد أنّ التشريعات المنظِّمة لممارسة الحرِّية تمتلئ بالنصوص الرادعة والعقابية لكل ما قد تجده يشكل تجاوزاً وعبوراً لسياج المحرمات، وتتسع صيغة الاتهام ثمّ التجريم على صيغة التحقق والمساءلة والشفافية، وعملياً، فإنّ الصياغة العامّة لما تحمله من براعة الأسلوب ودقة الكلمات المختارة، إلا أنّها في المستوى التطبيقي تأخذ صيغة أخرى تتسم بإحكام السيطرة على كلّ المنافذ التي تؤمّن التحكم بممارسة الحرِّية المتصلة بالنشر والرأي.
وعملياً، فإنّ الفكرة التي تقف وراء أغلب التشريعات هي الشك في قدرة المواطن في التعامل والتحكم بوسائل التعبير، بل في أهليته لممارسة تلك الحرِّية، وحتى القوانين التي تضمنها الدساتير في صياغاتها الأولى بدأت تتعرّض لمحاولات إعادة الصياغة والترتيب نتيجة التطوّر التقني الشامل الذي شهده قطاع الإتِّصال والإعلام، فلم تعد المقالات المنشورة في الصحف الدورية أو الكتب هي المستهدفة فحسب، بل تعدّى ذلك إلى وسائل أخرى مثل التلفزيون الفضائي والمدونات على المواقع الإلكترونية، كذلك اتسعت القوانين في تعريف المحظورات والممنوعات أمام وسائل الإعلام بحكم توسع عمل الدولة في إطار المجتمع وعلاقتها المتشابكة مع الأفراد، ويثار بين فترة وأخرى في الوطن العربي جدل علني حيث تشتبك السلطة مع وسائل الإعلام حول موضوعات تتصل بمديات الحرِّية في التعبير. وتكشف تلك المناسبات عن عمق الهوة بين ما تجده السلطة حقاً من حقوقها، وما تعتبره وسائل الإعلام المقابل مناخاً مناسباً لعملها. ولعل من النتائج الإيجابية لذلك الجدل أن تتوقح حدود العلاقة بين سلطة الدولة وسلطة الإعلام، وتصحح، ولو مؤقتاً، أسس العلاقة المطلوبة، وبالتالي تحقق وسائل الإعلام مكاسب في إطار تمتعها بمناخ إيجابي أرحب لممارسة دورها.
وكشف تقرير مركز الدوحة لحرِّية الإعلام (Doha Centre for Media Freedom) الذي صدر في شباط/ فبراير 2009 تحت عنوان "حرِّية الإعلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" عن حجم المفارقة بين الدساتير والتشريعات الرسمية المنظمة لحرِّية الأداء الإعلامي، وبين الواقع العملي. ويعرض التقرير الذي غطّى أوضاع الحرِّيات الإعلامية في عشرين بلداً عربياً، الاتّجاه نحو (ضبط الإعلام) وأنّ تلك البلدان اعتبرت حرِّية التعبير (تشكل خطراً يتهددها، وأنّ المؤسّسات الإعلامية التي تدافع عنها تمثل تهديدات كامنة تترصدها).
وعملياً، فإنّ الجدل يستمر ويتوسع، ما دامت السلطة تسعى لتأكيد سيطرتها على وسائل الرأي والتعبير، في الوقت الذي تشكل فيه حركة التطوّر في القوانين مع الاتساع في قدرة وسائل الإتِّصال على الوصول إلى مواقع الأحداث ونقلها الفوري والتعبير عن محتواها، لذلك فإنّ التوجيه المستقبلي لا يشير إلى توافق وتهادن بين معطى القوانين الحكومية واتجاهاتها، وبين نزوع الإعلام للتحرُّر من القيود الرسمية وبناء تقاليده وضوابطه الخاصة، وهي في الواقع عملية حيوية لا تقف عند حدود معيّنة، ولا يمكن حصر آثارها في سياق محدّد.
المصدر: كتاب الإعلام حرِّية في انهيار



تثير فكرة وضرورة الدستور جدلاً فلسفياً وقانونياً يتصل بالبحث عن عمق الفكرة في التاريخ الإنساني وفي سياق الدلالات والتحوّلات التي اكتسبتها عبر العصور، ورغم أنّ معنى الدستور يرتبط بكل حقبة تاريخية ويعبّر عنها كما أشار الفقيه اليوناني "صولون" الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد، حين سئل عن أفضل الدساتير، فأجاب: قل لي لأي شعب سيُعطى، وفي أي زمن.
وفي العهد اليوناني كانت مساهمات أرسطو (384-322 ق.م.) تتجه تماماً نحو الفكرة الحديثة عن معنى الدستور والتي شهدتها أوروبا في القرن الثامن عشر بعد عصر التنوير وولادة الدولة القومية، إذ إنّ فكرة الدستور كانت وما زالت شديدة الارتباط بتجديد فلسفة نظام الدولة ونوعية السلطات وطبيعة العلاقات بينها، وكذلك بموضوعية حقوق الأفراد (المواطنين) وحدود حرِّياتهم وطبيعة علاقتهم بالسلطة وفيما بينهم.
ومع المقولة التي تفيد بأنّ حقوق الأفراد سابقة على وجود الدولة، وبالتالي على القوانين التي تنظم العلاقات بين السلطة والأفراد، فإنّ الحقوق الفردية، ومنها الحق في الحرِّية، يعدّ حقاً طبيعياً يكتسبه الفرد عند الولادة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، وأنّ الشرعية تتحقّق من خلال ثنائية السيادة والحرِّية، وعبر هذه الثنائية تكتسب الدساتير امتياز النزوع نحو المحافظة على الحرِّيات العامّة، والحرِّية الفردية بشكل خاص، وصيانة تلك الحرِّيات من كل نقض أو تجاوز، مع ضمان الربط بين الحرِّية والمسؤولية، ذلك الضمان الذي يؤسّس على الاعتراف بحق الفرد في العيش حرّاً، مقابل الالتزام بالواجب الذي يؤدِّي إلى احترام حرِّية الآخرين والمجتمع والامتثال للقانون، لذلك ليس غريباً أن ينص إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 على أنّ الحرِّية هي (إباحة كل عمل لا يضر أحداً).
وعملياً، فإن منظومة الدستور تؤطر اليوم في شكل الدولة وفي إطار مجموعة من القواعد المكتوبة التي شهدت تطوّراً متواصلاً منذ نشوء الدولة القومية الحديثة في أوروبا، وتطوّر حاجتها إلى بناء مجموعة من القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العلاقة بين السلطات واختصاصاتها، وفي إطار ذلك تنظم وتحديد العلاقات بين السلطة والأفراد، وتؤطر حقوق الأفراد وحرِّياتهم وحماية تلك الحرِّيات، ولذلك فإنّ الدساتير تعدل أو تنشأ دساتير جديدة استجابة للوعي البشري ولتطوّر العلاقات السياسية الإقتصادية ولتأكيد حدود العلاقة بين السلطات داخل الدولة، وبين الأفراد، وكذلك لضمان حرِّية الأفراد وحقهم في المشاركة والرأي.
ويبقى الجدل محتدماً بين مَنْ يقول بحق الدولة في السيادة، واعتبارها السلطة العليا المحتكرة التي تعلو على إرادة الأفراد، وبين مبدأ أنّ حرِّية الإنسان سابقة على وجود التنظيم الإجتماعي وعلى وجود الدولة. وعملياً، فإن مفهوم الرقابة الوقائية جاء معبّراً عن الحلول الوسطى للنزاع المفترض بين سيادة الدولة وسيادة الشعب في إطار مبررات الدفاع عن النظام العام والقيم السائدة. ومع ذلك فقد كانت الرقابة (أداة سياسية قوية مكنت من طمس التطوّر المسالم للرأي العام ومن إضعاف وخنق الفضائح)، تلك الرقابة التي تنطلق تحت سقف الدستور ومضمونه في المحافظة على أمن المجتمع وحرمة المقدسات، وحرِّية الأفراد، إلا أنّ ذلك التنازع استمر قائماً وعادت الدساتير تدمج بين المقدمات النظرية العامّة والمواد الإجرائية المحددة، وتفاوتت صلاحية "سلطة الدستور" بين صيانة الحق العام والدفاع عن الحرِّيات الأساسية، ولذا فقد جاءت القوانين الضابطة لحرِّية الرأي والتعبير، وفي إطار حق إنشاء المؤسّسات الإعلامية وممارسة عملها، منسجمة ومتوافقة مع جوهر الدستور في الإطار العام، مع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ الحياة السياسية وبضمنها الحياة الدستورية بدأت بالتفاعل والتأثر بظاهرة "الجماعة الضاغطة" و"تطوّر الرأي العام" و"تعزيز الشفافية"، وانعكس ذلك بالمزيد من المرونة في صياغة الدساتير من أجل استيعاب تلك التأثيرات والتعامل معها.
- أوّلاً: حرِّية الإعلام في الدساتير العربية
يتفاوت وجود نصوص تحديد حرِّية الرأي والتعبير في الوطن العربي في مضمون الدساتير العربية والقرارات المنفردة التي تعاملت مع موضوعات مثل الترخيص بإصدار الصحف أو فرض قيود الرقابة، أو المتعلقة بتأسيس المحطات الإذاعية أو التلفزيونية، كذلك العقوبات المفروضة على جرائم النشر وغيرها، وهو تفاوت يخضع لاعتبارات عديدة في مقدمتها الموقف من الحرِّيات العامّة وإطار التعامل معها.
وعملياً، فقد ورثت الأنظمة السياسية في الوطن العربي من الحقبة الاستعمارية في القرن الماضي طبيعة الموقف من موضوعة حرية الرأي والتعبير، ويبدو ذلك واضحاً في التباين بين القوانين المتعلقة بهذا الموضوع، وبعضها سابق حتى على صدور الدساتير، وبين مضمون الدساتير ذاتها، فالقوانين السابقة كانت تنحصر في إجراءات محددة تتعلّق بحق امتلاك الوسيلة الإعلامية والتصرُّف بمضمونها. أمّا الدساتير فإنّها وضعت الإطار الفكري والقانوني الذي يحدِّد مسار الحرِّية الفردية في إطار الحرِّيات العامّة. ففي المشرق العربي، كانت قوانين السلطة العثمانية تحصر موضوعة إصدار مطبوعة صحافية وطريقة الحصول على (الرخصة) في المرجع المختص، ويتفاوت الأمر بين (التصريح) كما في لبنان والأردن، وبين طلب (الرخصة) كما في مصر، ذلك أنّ إصدار مطبوعة صحافية يتطلّب الحصول على رخصة من المرجع المختص الذي ينبغي أن يكون على علم ومعرفة بهوية طالب الترخيص كاملة، وقد اتضح ذلك جلياً في العهدين العثماني ثمّ الانتداب، وفي مصر في عهد الخديوي توفيق (1881) إذ لم تحدِّد عملياً أي قيود أو شروط خاصة (مالية أو علمية) في طالب الترخيص، وفعلياً حين تخلت السلطة العثمانية عن الشروط الخاصة، فإنّها فرضت واقعاً آخر يقود إلى امتلاك حق (فحص) الميول السياسية واعتبارها شرط (الولاء) لمنح الترخيص أو حجبه.
وتستند تأثيرات القوانين العثمانية في الوطن العربي وقوانين حكومات الاستعمار والانتداب لاحقاً على صياغة القوانين الضابطة لحرِّية الرأي والمعتقد والحق في التعبير، بالإضافة إلى صيغة وحدود المشاركة بالسلطة السياسية، مع وجود تأثير واضح للأفكار الأساسية التي حملتها الثورة الفرنسية (كل إنسان يستطيع أن يطبع بحرِّية، 14 آب/ أغسطس 1789)، والمواثيق الدولية التي صدرت لاحقاً وأبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والذي جاء في مادته الأولى (يولد جميع الناس متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخفاء) تلك المادة التي كانت فاتحة لثلاثين مادة لاحقة تحيط بمعنى الحقوق الأساسية للإنسان، ومن أبرزها ما يتصل بحرِّية الرأي والتعبير (المادة 19) والتي تنص (لكل شخص الحق في حرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرِّية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية).
وقد جاء تأثير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المواثيق العربية واضحاً ومباشراً، فقد نصّ الميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة الثانية والثلاثين.. (يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرِّية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، ودونما اعتبار للحدود الجغرافية) ومع تماثل المعاني والمفردات بين الإعلان العالمي والميثاق العربي، إلا أنّ الأخير أضاف إلى المادة ذاتها فقرة يمكن أن تفسر أنّها تمثل إطاراً شاملاً محدّداً ومؤطراً لأسلوب ودلالة التمتع بحق حرِّية الرأي والتعبير، حين أشار إلى أن تلك الحقوق تمارس (في إطار المقومات الأساسية للمجتمع، ولا تخضع إلا للقيود التي تفرضها بإحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو المصلحة العامة أو الآداب العامّة).
وهنا يكمن (الشيطان في التفاصيل) فقد مهّد ذلك النص ما يمكن أن يعدّ تحفظاً على حقّ الحرِّية وحرِّية التعبير، وذلك أنّه أعطى السلطة، حتى ولو لم ينص على ذلك الحق في تقرير معنى (المقومات الأساسية للمجتمع) كذلك القيود التي يفرضها بإحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام... إلخ، من دون أن يشير إلى الجهة التي تحدّد معايير تلك المفاهيم وتملك الحق والأهلية لحمايتها والدفاع عنها، وعملياً فقد انتهى الأمر إلى أنّ الحكومات هي التي تقرّر حدود تلك الحرمات، فهي المدعي العام والقاضي ومحامي الدفاع، وقد تجلى ذلك عندما أصدر وزراء الإعلام العرب وثيقة مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي والإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية التي حدد البند الأوّل منها المبادئ الأساسية للوثيقة.. (تهدف هذه الوثيقة إلى تنظيم البث وإعادته واستقباله في المنطقة العربية وكفالة احترام الحق في التعبير عن الرأي وانتشار الثقافة وتفعيل الحوار الثقافي من خلال البث الثقافي).
- ثانياً: الاستيلاء على الإعلام:
لا شك أنّ هناك حزمة من الشرور يمكن أن ترافق الاستخدام السيِّئ لحرِّية الإعلام، ولكن العهود والمواثيق ليست هي وحدها المسؤولة عن بناء خطّ الدفاع عن تلك المخاطر، كما إنّ القوانين وحدها لا تكفي لأن تردع المجرم عن ارتكاب فعلته، ولكن التوافق والالتزام نحو الحرَّية، باعتبارها ضرورة، وحدها التي تمنح القائمين على فعالية الإعلام القدرة من أجل صياغة الحرِّية بمعناها الأخلاقي والمادي، ومن هنا فإنّ إدراك معنى وجود كمية (الحرِّية) وحرِّية التعبير بشكل خاص في ثنايا القوانين يعطي الجواب على أهمية انتهاج سلوك إنساني متوازن بين خطين: الالتزام بالحرِّية والتعبير على الحرِّية ذاتها، وبذلك تتطابق معطيات حرِّية التعبير مع بداهة الواقع، وتتماثل مع الأعراف والمواثيق الضامنة لها، ومن دون ذلك لا يمكن أن نفهم لماذا تحرص الدساتير في كلّ العالم، والمواثيق المتعلِّقة بحقوق الإنسان وحرِّية الإعلام على استدراج أساليب حماية الأداء والدفاع عن حقّ الوصول إلى المعلومة والتأكيد على أنّ تأمين وممارسة حرِّية الرأي والفكر والتعبير والحق في الإتِّصال والحصول على المعلومات الصحيحة ونشرها وتداولها باعتبارها حقوقاً أصيلة وثابتة ومعترفاً بها وغير قابلة للمساومة أو الإنقاص، ومن ذلك التصدي لمفهوم الرقابة السابقة أو اللاحقة وكل أنواعها المعلنة أو المستترة.
ولذا يمكن أن نعدّ مفهوم حرِّية التعبير سابقاً حتى على القوانين والأعراف التي توصلت لها البشرية عبر أحكام العقل والفكر والحاجة لبناء نظام إنساني متكامل الشروط في التكوين والأداء، وهو تماماً ما يعبر عنه بالحقوق الطبيعية غير القابلة للنقض، والتي تجسدت لاحقاً في مفاهيم عدة لعل أبرزها نظرية العقد الإجتماعي المدعمة بشرعية الحرِّية في حدود التطابق أو التعارض بين سلطة الدولة وسلطة الفرد وتحت مظلة وحماية القانون.
ويظهر جلياً أنّ التعارض بين الحرِّية والقيد الإجتماعي على الحرِّية يشكل معضلة يصعب الإحاطة بها، إذ في الوقت الذي تحرص فيه القوانين والأنظمة المختصة بقضايا الحرِّيات الأساسية ومنها حرِّية التعبير، وبضمن ذلك تفاصيل تنظيم وسائل الإعلام وطبيعة ممارستها لعملها، فإنّها تحرص على تحديد الغاية من الحرِّية، وحرِّية التعبير، واعتبارها من المقدس الذي يجب الامتثال لقيمه وضوابطه، إلا أنّ التقييد القانوني لتلك الحرِّية يخرج في الغالب عن دائرة تنظيم تلك الحرِّية، رغم كلّ الإدّعاء بأنّ تلك القيود، هي ضوابط أخلاقية وقيمية اتفق عليها المجتمع لضمان عدم الاستخدام السلبي للقيمة الأساسية لحرِّية التعبير لأغراض حماية المجتمع والأفراد.
وعملياً لا تقف المعادلة عند حدود نقطة التوازن المفترضة، فقد عاد الأمر خارج السيطرة، وأضحت القوانين المنظمة لممارسة حرِّية الرأي قيداً ثقيلاً على تلك الحرِّية، ولما كانت كل القوانين مؤسّسة على مبدأ الجزاء والعقوبة، وعلى تشديد الجزاء والعقوبة مع الاستمرار في المخالفة والتعارض، فإنّ الأثر الذي تركته القوانين المنظمة لحرِّية الإعلام والتعبير يوحي بالميل لصالح العقوبة أكثر من الميل إلى تعزيز وحماية الحرِّية. لذلك فإنّ مواثيق الشرف، وهي غالباً ما تتصل بحرِّية الكلمة والتعبير والحقوق المرافقة لذلك، تذهب إلى تأكيد تلك الحرِّية وتعزيزها ونفي الحق المقابل، مهما كان مصدره ودوافعه في تقييد تلك الحرِّية وتحجيم أثرها، ولذلك أيضاً مُدّت مسؤولية حرِّية الإعلام إلى مسؤولية ممارسة (الرقابة الشعبية) على مؤسّسات المجتمع، وهي صلاحية توازي ما يملكه القانون أساساً، وأضحت الصحافة (مثلاً) وفق تلك المواثيق (وسيلة للرقابة الشعبية من خلال التعبير عن الرأي والنقد ونشر الأخبار والمعلومات في إطار من الدستور والقانون مع احترام المقومات الأساسية للجميع وحقوق وحرِّيات الآخرين).
ومن أجل أن لا تقوّض تلك الحرِّية سلطة القانون والدستور، استدرك مشروع توحيد قوانين الصحافة بالإشارة في المادة (14) بأنّ (يلتزم الصحافي في ما ينشره، باحترام الدستور والقانون مراعياً في كل أعماله مقتضيات الشرف والأمانة والصدق وآداب مهنة الصحافة وتقاليدها، بما يحفظ للمجتمع مثله وقيمة وبما لا ينتهك حقاً من حقوق المواطنين أو يمس إحدى حرِّياته).
- ثالثاً: على مسافة واحدة:
ليس جديداً الإشارة إلى أنّ كلّ الدساتير تبدأ بالصياغات اللفظية الرصينة المعبرة عن منظومة القيم الحامية والراعية لمقومات بناء الأوطان وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث التي تمثل المقومات الأساسية للسلطة في علاقتها مع الشعب، وحفلت الدساتير التي تم صياغتها مطلع القرن الماضي للدول الوطنية التي أسست أو نالت استقلالها، بالمقولات الرصينة عن حرِّية الرأي والتعبير، وتتطابق في أغلبها مع ما جاء في مواثيق حقوق الإنسان والتشريعات الأُممية الضامنة لحق المعرفة والتعليم وإبداء الرأي... إلخ.
وعلى مسافة واحدة تبدأ تفاصيل التعبير عن تلك الحرِّية ومدى ممارستها والضوابط العامّة والتفصيلية التي تشكّل حدود المسموح به، والإجراءات التي (يحق) للسلطة ممارستها لحماية سيادة الوطن وحرِّية المواطن، تذهب أغلب الدساتير العربية في إطار تنظيم الحرِّيات العامّة وحرِّية الرأي والتعبير وضمانات حقوق الإنسان إلى إحالة موضوع تلك الحرِّيات إلى القوانين الوضعية والتشريعات النافذة، وفي إطار فتح الباب أمام الإجتهاد والتوسع في الغالب لمنح القضاء سلطة إصدار التشريعات التي تمكّن (الحكومة) من ممارسة صلاحيات استثنائية لمواجهة تداعيات الاستخدام (غير المنضبط) لمعطى الحرِّية، وبشكل خاص حرِّية الرأي والتعبير، وقد أشار تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الوطن العربي في وقت مبكر إلى خطورة هذه الحالة في سياق رصد الانتهاكات التي يشهدها الوطن العربي لمنظومة حرِّيات المواطن الأساسية.. ورغم الاختلاف النسبي بين الدول العربية إلا أن معظمها يضع قيوداً تحكم وتحدِّد حرِّيات الرأي والتعبير. فوسائل الإعلام تملكها الدول في الغالب، وهي مراقبة بدقة من جانبها، وهناك حرمات أساسية ينبغي عدم المساس بها من بينها نقد النظام السياسي أو المساس بشخص رئيس الدولة، كما إنّ هناك قيوداً على حرِّية تبادل المعلومات والأخبار، وأحياناً تراقَب الكتب والصحف والمطبوعات الواردة من الخارج، ويُمنع نشر بعضها وتداولها.
ويسجل تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي أصدره برنامج الأُمم المتحدة الإنمائي طبيعة تعامل الدساتير العربية مع موضوعة حرِّية التعبير (.. ومن قبيل الانتهاكات التشريعية لحقوق الإنسان في البلدان العربية القوانين التي تقيد حرِّية الصحافة أو تصادرها بدعوى التنظيم. تحقيق ذلك عن طريق نصّ التشريع على جواز الرقابة المسبقة أو اللاحقة على الصحف، أو تلك النصوص التي تفرض القيود على حقّ الإصدار بحيث تجعل من الترخيص بإصدار الصحيفة وسحب هذا الترخيص سلاحاً بيد السلطة التنفيذية لردع الصحف التي تصر على تجاوز الخطوط الحمراء لحرِّية التعبير التي يفرضها النظام السياسي في الدولة.. وعموماً يمكن القول إنّه لا يوجد نظام عربي واحد يأخذ بالنظام الليبرالي في إصدار الصحف، بل اشتراك التشريع في خمس عشرة دولة عربية، منها الترخيص أو التصريح السابق).
وتتسع الدساتير العربية في مضامينها لمعطيات واعتبارات الأمن والمصلحة العامّة، ولذلك نجد أنّ التشريعات المنظِّمة لممارسة الحرِّية تمتلئ بالنصوص الرادعة والعقابية لكل ما قد تجده يشكل تجاوزاً وعبوراً لسياج المحرمات، وتتسع صيغة الاتهام ثمّ التجريم على صيغة التحقق والمساءلة والشفافية، وعملياً، فإنّ الصياغة العامّة لما تحمله من براعة الأسلوب ودقة الكلمات المختارة، إلا أنّها في المستوى التطبيقي تأخذ صيغة أخرى تتسم بإحكام السيطرة على كلّ المنافذ التي تؤمّن التحكم بممارسة الحرِّية المتصلة بالنشر والرأي.
وعملياً، فإنّ الفكرة التي تقف وراء أغلب التشريعات هي الشك في قدرة المواطن في التعامل والتحكم بوسائل التعبير، بل في أهليته لممارسة تلك الحرِّية، وحتى القوانين التي تضمنها الدساتير في صياغاتها الأولى بدأت تتعرّض لمحاولات إعادة الصياغة والترتيب نتيجة التطوّر التقني الشامل الذي شهده قطاع الإتِّصال والإعلام، فلم تعد المقالات المنشورة في الصحف الدورية أو الكتب هي المستهدفة فحسب، بل تعدّى ذلك إلى وسائل أخرى مثل التلفزيون الفضائي والمدونات على المواقع الإلكترونية، كذلك اتسعت القوانين في تعريف المحظورات والممنوعات أمام وسائل الإعلام بحكم توسع عمل الدولة في إطار المجتمع وعلاقتها المتشابكة مع الأفراد، ويثار بين فترة وأخرى في الوطن العربي جدل علني حيث تشتبك السلطة مع وسائل الإعلام حول موضوعات تتصل بمديات الحرِّية في التعبير. وتكشف تلك المناسبات عن عمق الهوة بين ما تجده السلطة حقاً من حقوقها، وما تعتبره وسائل الإعلام المقابل مناخاً مناسباً لعملها. ولعل من النتائج الإيجابية لذلك الجدل أن تتوقح حدود العلاقة بين سلطة الدولة وسلطة الإعلام، وتصحح، ولو مؤقتاً، أسس العلاقة المطلوبة، وبالتالي تحقق وسائل الإعلام مكاسب في إطار تمتعها بمناخ إيجابي أرحب لممارسة دورها.
وكشف تقرير مركز الدوحة لحرِّية الإعلام (Doha Centre for Media Freedom) الذي صدر في شباط/ فبراير 2009 تحت عنوان "حرِّية الإعلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" عن حجم المفارقة بين الدساتير والتشريعات الرسمية المنظمة لحرِّية الأداء الإعلامي، وبين الواقع العملي. ويعرض التقرير الذي غطّى أوضاع الحرِّيات الإعلامية في عشرين بلداً عربياً، الاتّجاه نحو (ضبط الإعلام) وأنّ تلك البلدان اعتبرت حرِّية التعبير (تشكل خطراً يتهددها، وأنّ المؤسّسات الإعلامية التي تدافع عنها تمثل تهديدات كامنة تترصدها).
وعملياً، فإنّ الجدل يستمر ويتوسع، ما دامت السلطة تسعى لتأكيد سيطرتها على وسائل الرأي والتعبير، في الوقت الذي تشكل فيه حركة التطوّر في القوانين مع الاتساع في قدرة وسائل الإتِّصال على الوصول إلى مواقع الأحداث ونقلها الفوري والتعبير عن محتواها، لذلك فإنّ التوجيه المستقبلي لا يشير إلى توافق وتهادن بين معطى القوانين الحكومية واتجاهاتها، وبين نزوع الإعلام للتحرُّر من القيود الرسمية وبناء تقاليده وضوابطه الخاصة، وهي في الواقع عملية حيوية لا تقف عند حدود معيّنة، ولا يمكن حصر آثارها في سياق محدّد.
المصدر: كتاب الإعلام حرِّية في انهيار